المحكمة الدستورية

تقديم المحكمة الدستورية



نبذة تاريخية

يعود تاريخ القضاء الدستوري بالمملكة المغربية إلى أولى سنوات الاستقلال عندما نص دستور 1962 على تأسيس غرفة دستورية بالمجلس الأعلى باعتباره أعلى هيئة في التنظيم القضائي.      

في سنة 1992، سيعرف هذا القضاء استقلالا أكبر بموجب المراجعة الدستورية التي نصت على إحداث مجلس دستوري باعتباره مؤسسة مستقلة ذات صلاحيات واسعة، تتماشى مع المخطط الإصلاحي الذي وضعته المملكة مع بداية التسعينات الهادف إلى تعزيز دولة القانون، وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.      

والجدير بالذكر أن المجلس الدستوري أصدر خلال مدة ولايته (1994-2017) 1043 قرارا.

وفي نطاق الإصلاحات الدستورية الواسعة والعميقة، التي أقرتها المملكة بموجب الدستور الصادر في 29 يوليو 2011، المتمثلة بالخصوص في توسيع الحقوق والحريات العامة وترسيخ المؤسسات والآليات الكفيلة بمواصلة بناء دولة ديمقراطية حديثة، تم إحداث محكمة دستورية - تحل محل المجلس الدستوري- تتمتع بصلاحيات أوسع وتكون مفتوحة في وجه المتقاضين للدفاع عن الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.

تأليف المحكمة الدستورية ووضعية أعضائها

تتألف المحكمة الدستورية من اثني عشر عضوا، يعين الملك نصف أعضائها من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، وينتخب الستة الباقون من طرف البرلمان مناصفة بين مجلسي النواب والمستشارين بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس، ويعين الملك رئيس المحكمة من بين أعضائها.

مدة العضوية بالمحكمة تسع سنوات غير قابلة للتجديد، مع تجديد ثلث كل فئة من أعضائها عند متم كل ثلاث سنوات.

يختار أعضاء المحكمة من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين حقوقي عال وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية، والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة، والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة.

بالإضافة إلى حالات التنافي المقررة قانونا، فإنه لا يجوز الجمع بين العضوية في المحكمة وممارسة أي مهنة حرة.

أعضاء المحكمة ملزمون بواجب التحفظ، والامتناع عن ممارسة أي نشاط يتنافى مع صفتهم، وهم مطالبون بالتصريح بممتلكاتهم.

مجالات الاختصاص

- مراقبة المطابقة للدستور :

وهي أهم اختصاص تمارسه المحكمة الدستورية، إذ يتعلق الأمر بالتأكد من مطابقة النصوص التالية للدستور: القوانين التنظيمية والقوانين العادية والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان وللمؤسسات الدستورية الأخرى التي يلزم الدستور مراقبة نظامها الداخلي من لدن المحكمة الدستورية، وكذا الالتزامات الدولية.

وكما تكون المراقبة قبلية فإنها قد تكون أيضا بعدية:

 1- المراقبة القبلية : 

 تكون هذه المراقبة إلزامية فيما يخص :

-القوانين التنظيمية بعد مصادقة البرلمان عليها وقبل إصدار الأمر بتنفيذها.

-الأنظمة الداخلية للمؤسسات الدستورية التالية: مجلس النواب، مجلس المستشارين، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وذلك قبل الشروع في تطبيقها.

وتكون هذه المراقبة اختيارية فيما يخص:

- القوانين (العادية)، والتي يمكن أن تحال من لدن الملك أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء المجلس الأول، أو أربعين عضوا من أعضاء المجلس الثاني، وذلك قبل دخولها حيز التنفيذ.

- الالتزامات الدولية، حيث تختص المحكمة الدستورية بالبت في مطابقة الالتزامات الدولية للدستور. إذا صرحت المحكمة بأن التزاما دوليا يتضمن بندا يخالف هذا الأخير، فإنه لا يمكن المصادقة عليه إلا بعد مراجعة الدستور.

2 - المراقبة البعدية، وتشمل:

- نظر المحكمة في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون إذا ما أثير أثناء النظر في دعوى قائمة أمام القضاء ودفع أحد الأطرف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.

- البت في كل ملتمس حكومي يرمي إلى تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصها.

- مراقبة صحة إجراءات مراجعة الدستور وإعلان النتائج.

- مراقبة صحة الانتخابات البرلمانية وعمليات الاستفتاء:

حيث تبت المحكمة الدستورية في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، ولها أن تقضي إما بعدم قبول عرائض الطعن أو برفضها، وإما ببطلان الانتخابات جزئيا أو كليا مع إمكان تصحيح نتائجها.

كما تتولى المحكمة مراقبة صحة الإحصاء العام للأصوات المدلى بها في الاستفتاء وتعلن بقرار عن نتائجه النهائية.

- البت في الخلاف بين البرلمان والحكومة:

تبت المحكمة في الخلاف الذي قد يحدث بين البرلمان والحكومة بطلب من أحد رئيسي مجلسي البرلمان أو من رئيس الحكومة، إذا دفعت الحكومة بعدم قبول كل مقترح أو تعديل ترى أنه لا يدخل في مجال القانون.

-كما يحق لها أن تبت في الخلاف الذي قد يقع بشأن تطبيق أحكام القانون التنظيمي المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق، خاصة إذا كان يحول دون السير العادي لأعمال هاته الأخيرة.

المهام الاستشارية لرئيس المحكمة الدستورية:

يستشير الملك رئيس المحكمة الدستورية قبل إعلان حالة الاستثناء، أو حل مجلسي البرلمان أو أحدهما، أو عرض مشروع مراجعة بعض أحكام الدستور على البرلمان.

كما يستشار رئيس المحكمة الدستورية من طرف رئيس الحكومة قبل حل مجلس النواب بمرسوم.

المسطرة أمام المحكمة الدستورية

تتميز المسطرة أمام المحكمة بكونها كتابية. تكون الجلسات أمام هذه الأخيرة غير علنية، ما لم ينص قانون تنظيمي على خلاف ذلك. وفي مجال البت في المنازعات الانتخابية فإنه يجوز للمحكمة الاستماع إلى المعنيين بالأمر بحضور دفاعهم أو أي شخص من ذوي الخبرة، كما لها أن تأمر بإجراء تحقيق بشأن ما يعرض عليها من مآخذ، مع تكليف عضو أو أكثر من أعضائها للانتقال إلى عين المكان بالدائرة الانتخابية المعنية إذا ما اقتضت ضرورة التحقيق ذلك.

تبت المحكمة في الإحالات المتعلقة بمطابقة القوانين التنظيمية والقوانين (العادية) والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي داخل أجل شهر من تاريخ الإحالة، وفي غضون 8 أيام في حالة الاستعجال بطلب من الحكومة.

يتم البت في حالات الدفع بعدم القبول التشريعي في أجل 8 أيام

تبت المحكمة في جميع الطعون المتعلقة بالانتخابات التشريعية داخل أجل سنة، يمكن تجاوزها بموجب قرار معلل، إذا استوجب ذلك عدد الطعون المرفوعة إليها أو استلزم ذلك الطعن المقدم إليها.

تكون مداولات المحكمة صحيحة إذا حضرها تسعة من أعضائها على الأقل، كما تتخذ قراراتها بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين تتألف منهم.

قــــرارات المحكمــة الدستوريـــة

تصدر قرارات المحكمة الدستورية باسم الملك وطبقا للقانون، وتتضمن في ديباجتها بيان النصوص التي تستند عليها، كما تكون معللة وموقعة من قبل الأعضاء الحاضرين بالجلسة التي صدرت خلالها.

قرارات المحكمة لا تقبل أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية، كما أنها تنشر بالجريدة الرسمية للمملكة.

يحول نشر قرار المحكمة القاضي بعدم مطابقة حكم من قانون تنظيمي أو مقتضى من قانون أو نظام داخلي أو بند من التزام دولي للدستور دون إصدار الأمر بتنفيذ هذه القوانين أو تطبيق هذه الأنظمة الداخلية، كما يحول دون المصادقة على هذا البند من الالتزام الدولي إلا بعد مراجعة الدستور.