قرارات المحكمة الدستورية


قرار رقم : 115/21
تاريخ صدور القرار : 2021/03/11

المملكة المغربية          الحمد لله  وحده،

المحكمة الدستورية

ملف عدد: 065/21

قرار رقم: 115/21 م.د.

باسم جلالة الملك وطبقا للقانون

المحكمة الدستورية،

بعد اطلاعها على رسالة الإحالة المسجلة بأمانتها العامة في 15 فبراير 2021، التي يطلب فيها 87 عضوا بمجلس النواب من المحكمة الدستورية، التصريح بمخالفة مقتضيات القانون المصادق عليه بتاريخ 9 فبراير2021، المتعلق بإلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب بموجب القانون رقم 24.92، للدستور؛ 

وبعد الاطلاع على الملاحظات الكتابية المقدمة من طرف رئيس الحكومة، ورئيس مجلس المستشارين، وأعضاء المجموعة البرلمانية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بذات المجلس، المسجلة بالأمانة العامة المذكورة، على التوالي في 25 و23 فبراير 2021؛ 

وبعد اطلاعها على باقي الوثائق المدرجة في الملف؛ 

وبناء على الدستور، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011)؛     

وبناء على القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.139 بتاريخ 16 من شوال 1435 (13 أغسطس 2014)؛         

وبناء على القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.62 بتاريخ 14 من شعبان 1436 (2 يونيو 2015)؛ 

وبناء على القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.33 بتاريخ 28 من جمادى الأولى 1436 (19 مارس 2015)؛

وبعد الاستماع إلى تقرير العضو المقرر والمداولة طبق القانون؛

أولا- فيما يخص الشروط المتطلبة للإحالة:  

حيث إن الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور، تنص على أنه يمكن لخمس أعضاء مجلس النواب أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور؛ 

وحيث إن رسالة الإحالة قدمت من قبل 87 عضوا لمجلس النواب على إثر التصويت على القانون بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء هذا المجلس، مما تكون معه الإحالة مستوفية للشروط المقررة بموجب أحكام الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور؛ 

ثانيا- فيما يخص "الدفع" بتجريح ثلاثة أعضاء للمحكمة الدستورية:  

حيث إن الجهة المحيلة "دفعت" بتجريح ثلاثة أعضاء للمحكمة الدستورية، بدعوى أنهم كانوا، قبل عضويتهم بهذه المحكمة، أعضاء بمجلس النواب لولاية تشريعية أو أكثر، مما أكسبهم صفة المنخرطين في نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب بموجب القانون رقم 24.92، وهو النظام الذي يرمي القانون المحال إلى تصفيته، ووَضَعَهُم تبعا لذلك، في حالة تنازع للمصالح، محظورة بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 36 من الدستور، تحول بينهم والنظر في القانون المعروض؛  

 لكن، 

حيث إنه، لئن كان القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية لم ينظم تجريح أعضائها، فإن ورود التجريح في صورة "دفع" متضمن في صلب الإحالة المتعلقة بالقانون المعروض، لا يحول بين المحكمة والنظر فيه إلى جانب ما قد تثيره الجهة المحيلة من دفوع أخرى؛ 

وحيث إنه يترتب عن الطبيعة القضائية الخاصة للمحكمة الدستورية، الثابتة بصريح نص الفصل 129 من الدستور، كفالة الضمانات الأساسية للتقاضي أمامها بموجب ما أقرته أحكام الدستور والقوانين التنظيمية من قواعد موضوعية وإجرائية تتعلق بما يثار أمامها من دعاوى؛ 

وحيث إن ضمانتي حياد واستقلالية أعضاء المحكمة الدستورية، المترتبتين عن الطبيعة القضائية للمحكمة المذكورة، متلازمتان وأمران واجبان في مجال مباشرة المحكمة لسائر أعمالها، ويترتب عن كفالتهما إمكانية إثارة جهات أو أطراف المنازعة الدستورية، ما يعن لها من حالات مفترضة لتنازع المصالح يحتمل أن تؤثر على ما يتطلبه نظر عضو من أعضاء المحكمة في دعاوى دستورية ماثلة، من حياد وتجرد؛   

وحيث إنه يعود للمحكمة الدستورية، عند النظر في طلبات التجريح المقدمة إليها، تقدير ثبوت حالة تنازع المصالح، المؤدية إلى زوال الحياد الفعلي أو إلى المس بصورة الحياد الظاهري اللذين يقتضيهما عمل المحكمة المذكورة، كل ذلك في مراعاة لمتطلبات حسن سير العدالة الدستورية وضمان شروط إنفاذها وفق الأوضاع والإجراءات المقررة في الدستور والقوانين التنظيمية؛       

وحيث إن الدفع بتجريح أعضاء للمحكمة الدستورية، أثير في نازلة الحال، بمناسبة رقابة عينية، مجردة، قبلية واختيارية على قانون يروم إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب، وإزاء أعضاء كانوا، عند حملهم للصفة البرلمانية، خاضعين للانخراط الإجباري في النظام المذكور، بموجب المادة 3 من القانون رقم 24.92، الذي يروم القانون المعروض نسخه؛ 

وحيث إن نهج أعضاء المحكمة الدستورية، في مباشرة نظرهم في القضايا المعروضة عليهم، محمول على التجرد والنزاهة والحياد والاستقلالية، ما لم يثبت إخلالهم بالالتزامات العامة أو الخاصة المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة المذكورة؛  

 وحيث إن التجرد والنزاهة، شرطان لازمان لاختيار أعضاء المحكمة الدستورية، بمقتضى أحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 130 من الدستور، وشرطان قبليان لممارسة مهام القضاء الدستوري بموجب القسم الذي أداه أعضاء المحكمة الدستورية بين يدي جلالة الملك، على النحو المنصوص عليه في المادة 4 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة المذكورة؛ 

وحيث إنه، فضلا عن ذلك، فإن ضمانات التجرد والنزاهة والوقاية من تنازع المصالح،  تتحقق على المستويين الذاتي والموضوعي، بالنسبة لأعضاء المحكمة، بناء على أحكام الفرع الثاني من الباب الأول من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية؛ 

وحيث إن تقاليد هذه المحكمة، جرت على اختيار أعضائها، بصفة تلقائية، التنحي عن النظر في دعاوى معروضة أمامهم، كلما تراءى لهم أن مشاركتهم من شأنها المس بصورة الحياد الظاهري لعمل المحكمة إزاء الجهات المحيلة أو الأطراف؛ 

وحيث إن أعضاء المحكمة الدستورية الثلاثة المشار إليهم في "دفع" الجهة المحيلة، وتمثلا منهم لأسمى  معايير الحياد والتجرد، ولأرقى قواعد الأخلاقيات القضائية، ارتأوا، بمجرد علمهم بإحالة القانون المعروض، التنحي بصفة تلقائية عن البت في دستوريته، مما أصبح معه "دفع" الجهة المحيلة بتجريحهم، غير ذي موضوع؛ 

ثالثا - في شأن الدفع المتعلق بعدم مشاركة الحكومة في المسطرة التشريعية المتبعة لإقرار القانون المحال: 

حيث إن هذا الدفع يتلخص في دعوى أن الحكومة لم تكن حاضرة أثناء تقديم مقترح القانون المحال، "ولا مناقشته ولا تعديله والتصويت عليه"، في مخالفة لأحكام الفصول 1 و67 (الفقرة الأولى)، و78 (الفقرة الأولى)، و83 (الفقرة الأولى)، و89 (الفقرة الثانية) من الدستور، والمادة 24 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، و"المواد 170 إلى 197" من النظام الداخلي لمجلس النواب، مما مس بصدقية النقاش البرلماني؛ 

لكن،

حيث إن مراقبة الدستورية تنصرف إلى فحص الإحالة شكلا وموضوعـــا، مـــع ما يستتبع ذلك من وجوب التحقق، بدءاً، من مدى احترام القانون، موضوع الإحالة، للأحكام الدستورية المتعلقة بالتداول فيه بين مجلسي البرلمان ومناقشته وتعديله ومِسطرة التصويت عليه، وكل ذلك قبل البت في الدفع المثار؛

وحيث إنه، يبين من الاطلاع على الوثائق المدرجة في الملف، أن القانون المُحال على المحكمة الدستورية، أودع كمقترح قانون بمبادرة من أعضاء مجلس النواب، بمكتب المجلس بتاريخ 21 ديسمبر2020، وأحيل في نفس التاريخ إلى لجنة المالية والتنمية الاقتصادية لأجل النظر فيه، ووافق عليه المجلس المذكور في جلسته العامة المنعقدة في 22 ديسمبر 2020، ثم أحيل إلى هذا المجلس، في التاريخ نفسه، فإلى لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بالمجلس المذكور، ثم تداول فيه المجلس وصادق عليه في جلسته العامة المنعقدة بتاريخ 9 فبراير2021، وكل ذلك طبقا لأحكام  الفصول 78 (الفقرة الأولى) و80 و84 من الدستور؛  

وحيث إن البت فيما نعته الجهة المحيلة، بخصوص الإجراءات المتبعة لإقرار القانون المحال، يقتضي تحديد القواعد المرجعية المعتمدة في فحص الدفع المذكور؛ 

وحيث إن الفقرة الأولى من الفصل الأول من الدستور، المستدل بها من قبل الجهة المحيلة، لا يمكن الاستناد إليها لمراقبة دستورية القوانين لعدم اندراجها ضمن الفصول الدستورية المعني بها العمل التشريعي؛

وحيث إن ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 89 من الدستور، المستدل بها، من أن الحكومة تعمل على "ضمان تنفيذ القوانين"، لا تتعلق بما نعته الجهة المحيلة من مخالفة الإجراءات المتبعة لإقرار القانون المحال، للدستور؛   

وحيث إن هذه الإحالة تتعلق بمراقبة دستورية قانون، وهي مراقبة لا يعتد في إعمالها إلا بأحكام الدستور والقوانين التنظيمية؛

وحيث إنه، تبعا لذلك، لامجال لفحص دستورية القانون المحال في ضوء مقتضيات واردة في النظام الداخلي لمجلس النواب، ما عدا إذا جاءت هذه المقتضيات تطبيقا مباشرا لقاعدة دستورية يتوقف إعمالها، وجودا وعدما، على ضوابط أسند الدستور تحديدها إلى نظام داخلي،  يؤدي الإخلال بها إلى مخالفة القاعدة الدستورية نفسها؛

وحيث إنه، فيما يتعلق بما نعته الجهة المحيلة من عدم مشاركة الحكومة في مسطرة إقرار القانون المحال، الذي قدم في شكل مقترح قانون، فإن أحكام الدستور، تخول للحكومة، المساهمة في تحديد جدول أعمال مجلسي البرلمان وفق ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 82 من الدستور من أنه "يضع مكتب كل من مجلسي البرلمان جدول أعماله، ويتضمن هذا الجدول مشاريع القوانين، ومقترحات القوانين، بالأسبقية ووفق الترتيب الذي تحدده الحكومة"، كما يكفل الدستور للحكومة حق التعديل (الفقرة الأولى من الفصل 83)، والدفع بعدم القبول المالي (الفقرة الأخيرة من الفصل 77)، والدفع بعدم القبول التشريعي (الفقرة الأولى من الفصل 79)، وإمكانية حضور الوزراء جلسات مجلسي البرلمان واجتماعات لجانهما (الفقرة الأولى من الفصل 67)؛ 

وحيث إنه، تطبيقا لهذه الأحكام، فيما يخص نازلة الحال، أتى النظام الداخلي لمجلس النواب مذكرا في المادة 139 (الفقرة الأولى) منه، بما تضمنته أحكام الفصل 82 من الدستور، كما نصت المادة 140 من النظام الداخلي في مطلعها على أنه "إذا طلبت الحكومة تغيير جدول أعمال المجلس طبقا لمقتضيات الفصل الثاني والثمانين من الدستور، بزيادة أو نقص أو تبديل نص أو عدة نصوص، ..."، والمادة 176 على أنه "يحيل رئيس المجلس مقترحات القوانين المقدمة من لدن النائبات والنواب إلى الحكومة عشرة أيام قبل إحالتها على اللجان الدائمة المختصة. ....يحيط رئيس المجلس الحكومة علما بتاريخ وساعة المناقشة في اللجنة"، والمادة 180 في فقرتها الأولى على أنه "تبرمج مكاتب اللجان الدائمة دراسة ...مقترحات القوانين المعروضة عليها في ظرف أسبوع من تاريخ الإحالة عليها، يتم إخبار الحكومة بذلك بواسطة رئيس المجلس"؛ 

وحيث إنه، يستفاد مما تقدم، أنه يعود للحكومة وحدها، تقدير استعمال ما كفله لها الدستور من إمكانيات وحقوق تتعلق بالمسطرة التشريعية، فيما يخص القانون المحال، المتأتي من مبادرة تشريعية لأعضاء بمجلس النواب؛ 

وحيث إنه لا ينال مما تقدم، استدلال الجهة المحيلة بما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 24 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها من أنه "يشارك أعضاء الحكومة في أشغال مجلس النواب ومجلس المستشارين كلما تعلق الأمر بتقديم ومناقشة مشاريع القوانين ومقترحات القوانين المسجلة في جدول أعمال أحد المجلسين طبقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 82 من الدستور، كما يشاركون في اجتماعات وجلسات التعديلات في شـأنها والتصويت عليها"، ذلك أن مدلول هذا المقتضى، يدرك، فيما يتعلق بالقانون المحال، الناتج عن المبادرة التشريعية لأعضاء مجلس النواب (الفقرة الأولى من الفصل 78 من الدستور)، بالاستناد إلى أحكام الفقرة الأولى من الفصل 67 من الدستور التي تنص على أنه "للوزراء أن يحضروا جلسات كلا المجلسين واجتماعات لجانهما"، وهي الأحكام التي جاءت في مدلولها اللغوي، علاقة بنازلة الحال، على سبيل التخيير؛  

وحيث إنه، تبعا لذلك، لا ينهض عدم استعمال الحكومة لهذه الإمكانيات والحقوق، وحده، سببا للتصريح بمخالفة الإجراءات المتبعة لإقرار القانون المحال للدستور، ما عدا إذا ثبت أنه قد حيل بين الحكومة وممارسة اختصاصاتها في مجال المسطرة التشريعية، بسبب تخلف مجلسي البرلمان أو أحدهما عن اطلاعها، أولا بأول، على مختلف الإجراءات المتبعة لإقرار القانون المحال، بدءا من إيداعه بمكتب المجلس المعني إلى غاية التصويت عليه، إعمالا لمتطلبات التعاون والتوازن بين السلط والمعتبرة من مقومات النظام الدستوري للمملكة، طبقا للفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور؛

وحيث إنه يبين من وثائق الملف ومن محاضر الجلسات العامة: 

    -أن رئيس مجلس النواب وجه إلى رئيس الحكومة، في 21 ديسمبر 2020، بمراسلة تحت عدد 2239، نسخة من مقترح القانون، المقدم من قبل السيدات والسادة رؤساء الفرق والمجموعة النيابية، بمن فيهم رئيس الفريق الذي ينتمي إليه النواب أصحاب الإحالة، وأن الدراسة والتصويت على مقترح القانون المذكور قد برمج في جدول أعمال الجلسة العامة  الخامسة والستين بعد المائتين المنعقدة بتاريخ 22 ديسمبر 2020، التي عرفت حضور عضو من أعضاء الحكومة،  

    -أنه تم الإعلان عن توصل مكتب مجلس المستشارين من مجلس النواب بمقترح القانون المعروض في الجلسة العامة رقم 330 المنعقدة بتاريخ 29 ديسمبر 2020، والتي عرفت حضور أعضاء من الحكومة، 

    -أنه تمت برمجة الدراسة والتصويت على مقترح القانون المعروض، في الجلسة العامة لمجلس المستشارين رقم 333، المنعقدة بتاريخ 5 يناير 2021، التي عرفت حضور أعضاء من الحكومة، وقد تقرر فيها إرجاع مقترح القانون إلى اللجنة، في إطار إعمال المادتين 217 و218 من النظام الداخلي، 

    -أنه جرت المصادقة على القانون المعروض، في الجلسة العامة لمجلس المستشارين رقم 343، المنعقدة بتاريخ 9 فبراير 2021، التي عرفت بدورها حضور أعضاء من الحكومة؛   

وحيث إنه، فضلا عما سبق بيانه من عناصر القانون والواقع المتعلقة بإجراءات إقرار القانون المحال، فإنه يبين من الاطلاع على تقرير لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، أن "مقترح القانون" كان موضوع "استشارة مجلس النواب مع العديد من الجهات المعنية، وعلى رأسها الأمانة العامة للحكومة" وذلك حتى قبل بدء المسطرة التشريعية المتعلقة به؛  

وحيث إنه، تبعا لذلك، لم يثبت، من فحص الإجراءات المتبعة لإقرار القانون المعروض، وجود ما حال بين الحكومة وتفعيل الإمكانيات والحقوق التي خولها الدستور إياها، بخصوص المسطرة التشريعية، أو ما أخل بصدقية النقاش البرلماني المستخلص من مطلع الفقرة الأولى من الفصل 6 من الدستور، الذي ينص على "أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة"، مما تكون معه الإجراءات المتبعة لإقرار القانون المحال مطابقة للدستور؛       

رابعا - في شأن الدفع المتعلق بعدم اندراج القانون، موضوع الإحالة، ضمن مجال القانون والمجال التنظيمي: 

حيث إن هذا الدفع يتلخص في دعوى أن القانون موضوع الإحالة لا يندرج، سواء في شكله القانوني الخارجي أو في موضوعه، ضمن الميادين التي يختص القانون بالتشريع فيها بمقتضى أحكام الفصل 71 من الدستور، ولا ضمن المجال التنظيمي المنصوص عليه في الفصل 72 من الدستور، بعلة أن نظام معاشات أعضاء مجلس النواب: 

    -لا يندرج في مجال القانون التنظيمي، لكون التعويضات التي "يساهم" أعضاء مجلس النواب بجزء منها في نظام المعاشات المذكور، ليست منظمة بمقتضى القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس المشار إليه،  

    -ولا يندرج في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، ولا في الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين، ولا في مجال الضمان الاجتماعي الذي ينحصر نطاق المعنيين به على "المستخدمين" دون غيرهم، وأن ليس في الدستور أساس يمكن الاستناد إليه لتنظيم معاشات أعضاء مجلس النواب بمقتضى قانون، 

    -ولا يندرج أيضا في المجال التنظيمي، لكون أعضاء مجلس النواب لا يشكلون فئة مهنية "يقتضي تنظيمها وضع مرسوم خاص بمعاشها" ولأن مجلس النواب، الذي يعتبر مكونا للبرلمان، يمارس السلطة التشريعية المستقلة والمنفصلة عن السلطة التنفيذية، وأن موضوع معاشات أعضاء المجلس يندرج، تبعا لذلك، في مجال التعاقد، ولا يخضع لأي شكل من "الأشكال القانونية الدستورية"؛ 

لكن،

حيث إن الدستور نص في الفصل 71 منه على أنه "يختص القانون، ...بالتشريع في ... –الحقوق...المنصوص عليها في ...فصول أخرى من الدستور؛" وفي الفصل 31 منه على أنه "تعمل الدولة...، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: ...-الحماية الاجتماعية"؛

 وحيث إن الدستور متكامل في تصديره وفصوله ومترابط في أحكامه، وإذا كان لكل فصل من فصول الدستور مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص، فإن الاستدلال به بمعزل عن باقي أحكامه ذات الصلة به، لا يسعف في تمثل الغاية التي ابتغاها المشرع الدستوري من إقرار القواعد المعتمدة مرجعا لفحص دستورية قانون معروض؛ 

وحيث إن مفاد هذه النصوص مجتمعة، يتمثل في أن إنفاذ الالتزام الإيجابي للدولة بتعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في الحماية الاجتماعية، الذي يندرج في فئة الحقوق الاجتماعية، يمكن أن يتم، وفقا للدستور، بطرق متعددة، منها، على سبيل المثال لا الحصر، إقراره في التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة التي يتداول بشأنها المجلس الوزاري (البند الأول من الفصل 49)، وإعماله بواسطة قوانين-إطار(الفقرة الثانية من الفصل 71)، وعبر السياسات العامة للدولة التي يتداول بشأنها مجلس الحكومة، قبل عرضها على المجلس الوزاري (البند الأول من الفصل 92)، وعبر السياسات العمومية والسياسات القطاعية، وكذا بسن قوانين تتعلق بموضوع الحماية الاجتماعية، المندرجة في ميدان الحقوق التي يختص القانون بالتشريع فيها (الفقرة الأولى من الفصل 71)؛ 

وحيث إن من الصور التي يمكن أن يرد عليها إنفاذ الالتزام الإيجابي للدولة بتيسير أسباب الاستفادة المتساوية للمواطنات والمواطنين من الحق في الحماية الاجتماعية، إحداث المشرع أنظمة للمعاشات، يعود إليه تحديد طبيعتها ونطاقها، والفئات المستفيدة منها، وطرق تمويلها، وحالات استحقاقها، وقواعد منحها وشروط اقتضائها، عملا بأحكام الفقرة الأولى من الفصل 71 من الدستور، كما يعود إليه، بموجب المادة الأولى من القانون التنظيمي للمالية، وفي إطار قوانين المالية، تحديد التكاليف التي تنشأ عن مساهمة الدولة،  عند الاقتضاء، في موارد الأنظمة المذكورة؛ 

وحيث إنه، لا يوجد في الفقرة الأولى من الفصل 71 المشار إليها، ولا في باقي أحكام الدستور، ما يقصر اختصاص التشريع في مجال إحداث أو تعديل أو تصفية أنظمة المعاشات، بوصفها إحدى أنماط الحماية الاجتماعية، على الموظفين المدنيين والعسكريين وعلى المستخدمين دون غيرهم من الأشخاص، إذ يعود للمشرع في نطاق الاختصاص الذي سبق بيان سنده الدستوري أعلاه، واسترشادا بمبادئ التضامن والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من تصدير الدستور، مد نطاق أنظمة المعاشات وباقي أنماط الحماية الاجتماعية إلى أوسع ما أمكنته الوسائل المتاحة ،من فئات المجتمع، تحقيقا لهدف شمولية الحماية الاجتماعية؛  

وحيث إنه، لا ينال مما تقدم، ما دفعت به الجهة المحيلة من "انصراف دلالة ومجال الضمان الاجتماعي حصرا إلى العلاقات الشغلية دون سواها"، ذلك أنه يترتب عن إعمال التأويل النسقي لاختصاص القانون بالتشريع في ميدان "الضمان الاجتماعي" المنصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 71 من الدستور، في ترابط، من جهة، مع أحكام الفصل 31 منه، الذي يجعل من تيسير أسباب الاستفادة على قدم المساواة من الحق في الحماية الاجتماعية، أمرا يهم سائر المواطنات والمواطنين، دون قصر ذلك على مستخدمي القطاع الخاص وحدهم، ومن جهة أخرى، مع أحكام الفقرة الثانية من الفصل 32 من الدستور، التي نصت على عمل الدولة "على ضمان الحماية... الاجتماعية ...للأسرة، بمقتضى القانون"، إمكانية شمول مجال التشريع في ميدان الضمان الاجتماعي لأشخاص من غير المستخدمين في القطاع الخاص، ومن غير المزاولين لنشاط مهني مأجور، وهو التفسير المنسجم، فضلا عما تم الاستدلال به أعلاه، مع مضمون اتفاقية منظمة العمل الدولية، رقم 102، بشأن "المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي" التي تعتبر المملكة المغربية طرفا فيها؛ 

وحيث إنه، يعود للمشرع، وفق سلطته التقديرية أيضا، وفي إطار ممارسته لاختصاص التشريع في ميدان الحق في الحماية الاجتماعية المنصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 71 من الدستور، أن يحدث بقانون نظاما للمعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب، بصفتهم ممثلين للأمة، وليس بأي صفة أخرى، لضرورات اجتماعية يرتئيها، يمول في جزء منه بواجبات اشتراكهم المؤداة من تعويضاتهم التي يتقاضونها نظير مزاولة مهامهم التمثيلية، وفي جزء آخر منه من مساهمات مجلس النواب، المتأتية من المخصصات المرصودة للمجلس المذكور بموجب قوانين المالية، كما يعود للمشرع، في ذات الإطار، متى ارتأى ذلك، ولأسباب ينفرد بتقديرها، تعديل هذا النظام بقانون، أو إلغاء وتصفية هذا النظام، شرط ألا يجرد المبادئ الدستورية ذات الصلة بإلغاء وتصفية النظام المذكور، من الضمانات القانونية؛ 

وحيث إنه، متى كان ما تقدم، يكون القانون المعروض، غير مندرج في المجال التنظيمي، إذ لا يتصور في نطاق الدستور الحالي، فضلا عما تم بيانه أعلاه، أن يسند إلى المجال التنظيمي تحديد القواعد الأساسية المتعلقة بإحداث وتصفية معاشات أعضاء مجلس النواب، الذي يستمد أعضاؤه نيابتهم من الأمة (الفقرة الأولى من الفصل 60 من الدستور)، ويختارون من قبلها لتمارس بواسطتهم سيادتها بصفة غير مباشرة (الفصل 2 من الدستور)، تحت طائلة المس بمبدإ فصل السلط الذي يعد من مقومات النظام الدستوري للمملكة، طبقا للفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور؛ 

وحيث إنه، لئن كان للبرلمان استقلاليته في تدبير شؤونه الداخلية، فإنه يعد من أجهزة الدولة وجزءا من شخصيتها المعنوية، وغير متمتع بالاستقلال المالي، وأن دور مكتبي مجلسي البرلمان يقتصر على اقتراح الاعتمادات الخاصة بميزانية المجلس على الحكومة التي يعود لها وحدها اختصاص وضع الميزانية العامة للدولة، مما لا يمكن معه إحداث أو تصفية نظام معاشات أعضاء مجلس النواب، يمول في جزء منه من مساهمات المجلس المذكور، المسجلة ضمن المخصصات المرصودة له في قوانين المالية، بواسطة قرار لمكتب المجلس؛ 

وحيث إنه، لا يمكن أيضا، تحت طائلة مخالفة أحكام الفصل 71 من الدستور، بصفة خاصة، إحداث أو تصفية نظام المعاشات المتعلقة بمجلس النواب، الذي يتألف جزء من موارده من مساهمات مجلس النواب المتـأتية مما خصص للمجلس المذكور من اعتمادات في ميزانية الدولة، بواسطة أشكال قانونية اتفاقية، إذ أن نطاق ما يمكن إسناده، في نازلة الحال، من أعمال عن طريق التعاقد إلى مؤسسة معينة، لا يتجاوز إنفاذ الإجراءات المتعلقة بتصفية نظام المعاشات، وفق الشروط والكيفيات التي حددها القانون، وهو ما تقيد به القانون المعروض إذ نص في الفقرة الأولى من المادة 7 منه على أنه "يعهد إلى المؤسسة التي تم التعاقد معها لتسيير نظام المعاشات ...بمهمة تصفية النظام المذكور وفق الشروط والكيفيات المحددة في هذا القانون..."، وفي الفقرة الثانية من ذات المادة على أنه"...تؤهل المؤسسة المذكورة، من أجل ذلك، لاتخاذ جميع الإجراءات التنفيذية المتعلقة بها..."؛ 

وحيث إنه، بناء على ما سبق بيانه، يكون القانون بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب، مندرجا، في شكله القانوني الخارجي وفي موضوعه، ضمن الميادين التي يختص القانون بالتشريع فيها بمقتضى أحكام الفقرة الأولى من الفصل 71 من الدستور؛    

خامسا - في شأن الدفع المتعلق بعدم "مراعاة المبادئ الدستورية المقررة في تنظيم المال العام ودور المجلس الأعلى للحسابات في الموضوع": 

حيث إن هذا الدفع يتلخص في دعوى، من جهة، أن المادة الثالثة من القانون المحال، فيما حددته من طرق لتوزيع رصيد احتياط نظام المعاشات، "خلطت" بين "ذمتين ماليتين" مختلفتين، إذ لم تميز بين اشتراكات أعضاء مجلس النواب، وبين مساهمات المجلس المتأتية من الاعتمادات السنوية المرصودة له في قانون المالية، مما أدى إلى "إعادة رصد مبالغ مالية لنفقات لم تكن مقررة طبقا للقوانين التي اعتمدتها"، ومن جهة أخرى، أن نظام معاشات أعضاء مجلس النواب، الذي أتى القانون المحال، لإلغائه وتصفيته، لم يخضع لتقييم قبلي من قبل المجلس الأعلى للحسابات، وأنه عهد بتصفية النظام المذكور إلى مؤسسة أخرى، كل ذلك في مخالفة لأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 147 والفقرة الثانية من الفصل 156 من الدستور، ولأحكام القانون التنظيمي لقانون  المالية وللمادة 76 من مدونة المحاكم المالية؛ 

لكن،  

حيث إنه، من جهة أولى، متى كان القانون مختصا بالتشريع في إحداث - كما في تصفية - نظام معاشات أعضاء مجلس النواب، بمقتضى أحكام الفصلين 71 (الفقرة الأولى) و31 من الدستور، عاد للمشرع، علاقة بالدفع المثار، تحديد موارده ومصاريفه وبنيته التقنية، والأشخاص المستفيدين منه؛ 

وحيث إنه يبين من الاطلاع على القانون 24.92 المحدث لنظام المعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب، كما تم تغييره و تتميمه، والذي يرمي القانون المحال إلى نسخه، أن النظام المذكور، يتسم بخاصية الإجبارية (المادة 3)، وأنه محدث حصرا لفائدة فئة وحيدة من المستفيدين، هم أعضاء مجلس النواب (المادة 1)، وأنه يهدف إلى "ضمان معاش عمري يكتسبه في الحال كل نائب عن مدة نيابته" وفق الشروط المقررة في القانون المذكور (المادة 2)، وأن بنيته التقنية قائمة على التوزيع، إذ أن تمويل المعاشات المؤداة (المواد 6 إلى 9) يتم عبر واجبات الاشتراك بالنسبة للنواب (المادة 4، الفقرة الأولى) التي "تقتطع... شهريا من التعويض الممنوح لكل نائب، ولا يمكن لأي نائب الاعتراض على ذلك، وفي حالة عدم تقاضيه للتعويض النيابي لسبب أو لآخر فعليه المساهمة لزوما بواجب الاشتراك...عند نهاية كل شهر" (المادة 4، الفقرة الأخيرة)، كما يتم عبر مساهمات مجلس النواب المحصلة (المادة 4، الفقرة الأولى والمادة5)، واحتياط النظام المكون من فائض المداخيل على المصاريف ، قصد ضمان توازنه (المادة 13)، وأن موارد النظام لا تتكون فقط من مساهمات مجلس النواب المتأتية من الاعتمادات المرصودة للمجلس بموجب قوانين المالية، بل أيضا من واجبات الاشتراك المؤداة من طرف النواب، وعائدات استثمارات موارد واحتياطات النظام، ومداخيل أخرى (المادة 11)، وأن هذه الموارد مخصصة لغاية وحيدة هي أداء معاشات أعضاء مجلس النواب وما يرتبط بذلك من نفقات تسيير النظام والمصاريف المالية المترتبة عن استثمار موارده وإرجاع الاقتطاعات المؤداة لنظام المعاشات للنواب الذين قضوا أقل من سنتين ولم يعد انتخابهم (المادة 12)؛   

وحيث إنه، تبعا لذلك، يكون أعضاء مجلس النواب، المخاطبون بمقتضيات القانون 24.92، الملزمون بالامتثال له، طبقا للفقرة الأولى من الفصل 6 من الدستور، المنخرطون إجباريا في نظام المعاشات على النحو الذي سبق بيانه، والمتحملون، بصفتهم فئة مستفيدة، للمخاطر المرتبطة بتوازنه واستدامته، ذوي انتظار مشروع في استحقاق المعاش متى توافرت شروط أدائه، إذ ينهض القانون المذكور مصدرا له، ومنشئا لالتزام على الجهة التي تقرر عليها؛ 

وحيث إنه، يعود إلى المشرع، وفق صلاحياته الدستورية، وتبعا لاختياراته، أن يقوم بتغيير أو تتميم أو نسخ مقتضيات تشريعية سارية، واستبدالها بأخرى جديدة، مع مراعاة ألا يجرد المبادئ الدستورية من الضمانات القانونية، وألا يمس بالوضعيات المكتسبة قانونا، ولا بالآثار الممكن توقعها بصفة مشروعة من هذه الوضعيات، إلا لغايات تتعلق بالصالح العام؛ 

وحيث إنه، يبين من الاطلاع على الدراسة الاستشرافية، المنجزة تحضيرا لمقترح القانون بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب، أن النظام المذكور يتسم بالاختلال بين التزامات النظام واحتياطيه أي بين موارد ونفقات النظام، وكذا بعدم كفاية الرصيد الحالي لاحتياطي النظام لأداء قيمة متأخرات المعاش غير المصروفة منذ تاريخ نفاذ الاحتياطيات،  وذلك جراء "المعايير المعتمدة من طرف النظام وكذا الاختلالات الديموغرافية الناتجة عن تزايد عدد المستفيدين"؛     

وحيث إن المشرع اختار، تبعا لذلك، إلغاء وتصفية النظام المذكور بموجب القانون المحال، مما يكون معه هذا الاختيار مندرجا ضمن غايات الصالح العام، ولا تعقيب للمحكمة الدستورية عليه؛    

وحيث إنه، لما كانت الحقوق تنشأ مترتبة عن موجباتها، فإن واجبات الاشتراك في نظام المعاشات المذكور، المؤداة من قبل أعضاء مجلس النواب، بصفة إجبارية، تندرج في حال إلغاء هذا النظام، في إطار حق الملكية الذي يضمنه القانون، وتشكل، تبعا لذلك، دينا مستحقا للمشتركين قابلا للأداء كلا أو جزءا حسب الحالة، وفي إطار التضامن في تحمل المخاطر الذي يسم أنظمة الاحتياط الاجتماعي، باستخدام رصيد احتياط النظام، بصرف النظر عن مصدر موارد النظام قيد الإلغاء، وهو ما أقره القانون المحال؛ 

 وحيث إنه، يستفاد من المادتين 3 و5 من القانون المحال، أن ما يسترجعه أعضاء مجلس النواب، عند تصفية نظام معاشهم، بواسطة توزيع رصيد احتياط النظام، لن يقتصر إلا على مبالغ الاشتراكات التي سبق اقتطاعها، بصفة إجبارية، من التعويض النيابي الممنوح لهم، أو على مبالغ تقل عما اشتركوا به، وذلك بسبب وضعية العجز التي تسم النظام المذكور، مما يكون معه التمييز بين الوضعيات الثلاث المتعلقة باسترجاع الاشتراكات، وصيغة توزيع التخفيض النسبي للمبالغ التي يتعين إعادتها، قد راعيا معيار التناسب في ما مسا به من حق مكتسب ومن انتظار مشروع للمستفيدين تولدا  بانخراطهم في هذا النظام، ولم يخلا بمبدإ التضامن في توزيع المخاطر المتأتية عن تدبير أنظمة الاحتياط الاجتماعي، ولم يضعا قيدا غير متناسب، يصيب في جوهره أو يعدم في جل خصائصه، حق ملكية المستفيدين للمبالغ التي اشتركوا بها في النظام موضوع التصفية، ولم يجافيا مبدأ حسن استعمال المال العام المستخلص من مبدأي الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليهما في الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور؛ 

وحيث إن إلغاء وتصفية نظام المعاشات، يشكلان جزءا لا يتجزأ من سيرورته ومآلان محتملان من مآلاته، مما يكون معه تنصيص المادتين 3 و5 من القانون المحال على توزيع رصيد احتياطي النظام لإعادة مبالغ اشتراكات أعضاء مجلس النواب، أو جزء منها حسب الحالة، غير مخالف لقاعدة عدم التخصيص، المكرسة بمقتضى أحكام الفقرة الأولى من المادة 8 من القانون التنظيمي لقانون المالية التي نصت على أنه "يرصد مجموع المداخيل لتنفيذ مجموع النفقات"، ويكون معه ما نعته الجهة المحيلة من "إعادة رصد مبالغ مالية لنفقات لم تكن مقررة طبقا للقوانين التي اعتمدتها" غير قائم على أساس من القانون؛ 

وحيث إنه، من جهة أخرى، لا يوجد في المادة 76 من مدونة المحاكم المالية، المستدل بها من قبل الجهة المحيلة، ما ينص على وجوب إجراء المجلس الأعلى للحسابات ل"تقييم قبلي"، لنظام معاشات أعضاء مجلس النواب، قبل الشروع في إلغائه وتصفيته بموجب القانون المحال؛ 

وحيث إنه، بصرف النظر عما ذكر، فإن مراقبة دستورية القوانين، ومن ضمنها القانون المحال، لا تتم إلا قياسا بالدستور وبالقوانين التنظيمية، وليس عبر الإحالة على قوانين لها ذات المرتبة والدرجة في التراتبية القانونية؛

وحيث إنه، لئن كان الدستور أسند للمجلس الأعلى للحسابات "ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية" والتحقق من "سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون" وتقييم "كيفية تدبيرها لشؤونها" (الفقرة الثالثة من الفصل 147)، بصفته "الهيأة العليا لمراقبة المالية العمومية" (الفقرة الأولى من الفصل 147)، فإنه لا يوجد في الدستور ما يحول دون إحداث المشرع، بناء على أحكام الفصلين71 أو 159 من الدستور، لأشخاص اعتبارية من أشخاص القانون العام، يعهد إليها بالتدبير أو الرقابة أو ضبط أنظمة الاحتياط الاجتماعي، حسب الحالة، أو أن يعهد بتصفية نظام المعاشات إلى مؤسسة يتم التعاقد معها، كما تم التنصيص عليه في المادة 7 من القانون المحال؛ 

سادسا - في شأن الدفع المتعلق بمخالفة المادة التاسعة من القانون المحال للدستور:

حيث إن هذا الدفع يتلخص في دعوى مخالفة المادة 9 من القانون المحال التي تنص على أنه " يعلن عن الانتهاء التام لعملية التصفية بقرار لرئيس مجلس النواب" للدستور، بعلة تخويلها لرئيس مجلس النواب صلاحية الإعلان عن الانتهاء التام للعملية المذكورة، مما تكون معه غير مستجيبة "للربط الدستوري بين المسؤولية والمحاسبة" وكذا غير منسجمة مع مقتضيات المادتين 7 و8 من ذات القانون؛ 

لكن،  

حيث إن المادتين 7 و8 من القانون المحال، نصتا على التوالي، وبصفة خاصة على أنه "يعهد إلى المؤسسة التي تم التعاقد معها لتسيير نظام المعاشات...بمهمة تصفية النظام المذكور، ...وتؤهل المؤسسة المذكورة، من أجل ذلك، لاتخاذ جميع الإجراءات التنفيذية المتعلقة بها،..." وعلى أنه "تنجز المؤسسة....تقريرا حول نتائج عملية تصفية نظام المعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب، وتوجهه إلى الوزير المكلف بالمالية...وترسل نسخة من هذا التقرير إلى رئيس مجلس النواب داخل نفس الأجل"؛ 

وحيث إنه، يستفاد من مقتضيات المادتين المذكورتين، أن عملية تصفية نظام المعاشات، تنجز لفائدة مجلس النواب، وأن دور المؤسسة المشار إليها في المادتين المذكورتين، لا يتعدى إنفاذ الإجراءات المتعلقة بتصفية النظام المذكور، وفق الشروط والكيفيات التي حددها القانون؛ 

وحيث إن المادة 34 من النظام الداخلي لمجلس النواب، خولت رئيس المجلس   صفة الممثل القانوني له، إذ نصت على أنه هو "الممثل القانوني للمجلس والناطق الرسمي باسمه، والمخاطب الرسمي في علاقات المجلس مع الغير"، مما يجعل إسناد المادة 9 من القانون المحال مهمة الإعلان عن الانتهاء التام لعملية التصفية إلى رئيس مجلس النواب،   مجرد إعلان كاشف غير مخالف للدستور؛ 

سابعا - في شأن الدفع المتعلق بمخالفة المادة العاشرة من القانون المحال للدستور: 

حيث إن هذا الدفع يتلخص في دعوى مخالفة المادة 10 من القانون المحال للدستور، التي نصت على أنه "تعتبر المبالغ التي يستفيد منها المعنيون بالأمر وفق أحكام هذا القانون مبالغ صافية معفاة من أي ضريبة، ولا تخضع للتصريح"، بعلة، من جهة أولى، اندراج موضوع المادة في المجال المحفوظ لقانون المالية، ولمخالفته لأحكام المادتين الأولى و11 من القانون التنظيمي لقانون المالية، ومن جهة ثانية، مخالفتها لمبدإ المساواة المنصوص عليه في التصدير وفي الفصول 6 و31 و154 من الدستور، ومن جهة ثالثة مخالفتها لأحكام الفصول 37 و39 و40 من الدستور التي أقرت على التوالي، مبدأ تلازم ممارسة الحقوق والنهوض بأداء الواجبات، وواجب تحمل الجميع، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وتحمل الجميع، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، ومن جهة رابعة، أن تشريع أعضاء مجلس النواب، بمقترح قانون، لتصفية نظام معاشهم، يشكل حالة لتنازع المصالح، تحظرها أحكام الفقرة الأولى من الفصل 36 من الدستور؛   

لكن،

حيث إنه، من جهة أولى، فإن الدستور، ينص في فصله 71 على أنه من بين الميادين التي يختص القانون بالتشريع فيها "... - النظام الضريبي، ووعاء الضرائب، ومقدارها وطرق تحصيلها؛" كما ينص في فصله 78 على أن "لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين"؛

وحيث إنه، لئن كانت قوانين المالية تتضمن بطبيعتها مقتضيات ضريبية، باعتبار هذه الأخيرة جزءا أساسيا من الأحكام المتعلقة بالموارد العمومية (المادة 11 من القانون التنظيمي لقانون المالية) التي يعود لقوانين المالية وحدها توقعها وتقييمها والإذن بها (الفقرة الأولى من المادة 3 من القانون التنظيمي لقانون المالية) ، فإن ذلك لا يعني أن سن المقتضيات الضريبية، في عموميتها، ينحصر في قوانين المالية؛

وحيث إن ﺣﺼﺮ إمكانية سن المقتضيات الضريبية في قانون المالية يجعله خاضعا للشروط والآجال المحددة في القانون التنظيمي لقانون المالية، ويفضي بالتالي، دون سند دستوري، إلى تقييد صلاحيات البرلمان  وكذا صلاحيات الحكومة في مجال التشريع، لاسيما حق أعضاء البرلمان في التقدم باقتراح القوانين المضمون بموجب الفصل 78 من الدستور، مع مراعاة أن سن المقتضيات الضريبية يجب أن يستحضر دائما قاعدة توازن مالية الدولة المقررة بمقتضى الفصل 77 من الدستور؛ 

وحيث إنه، من جهة ثانية وثالثة، فإن مناط إعمال مبدأ المساواة المنصوص عليه، في علاقة بنازلة الحال، في تصدير الدستور، وفي الفصلين 6 (الفقرتين الأولى والثانية)، و31 منه، هو تماثل المراكز القانونية فى نطاق الموضوع الذي شرع بشأنه القانون المحال، والذي يعني فئة من الملزمين تتماثل مراكزهم القانونية، هم أعضاء مجلس النواب، الذين كانوا يتقاضون مبالغ معاشات شهرية، "صافية، معفاة من أية ضرائب، ولا تخضع للتصريح" بموجب القانون رقم 24.92 (المادة 7، الفقرة 2) السالف ذكره، ويستردون، بموجب القانون المعروض، مبالغ اشتراكهم في نظام المعاشات أو جزء منها حسب الحالة، وليس فئات أخرى من الملزمين، للمشرع أن يمتعهم بإعفاءات ضريبية، حسب وضعياتهم، في نطاق ممارسته لاختصاصاته التشريعية ؛ 

وحيث إنه، من جهة رابعة، فإنه لا محل للدفع بتنازع المصالح، في ممارسة أعضاء البرلمان، الذين يستمدون نيابتهم من الأمة (الفقرة الأولى من الفصل 60 من الدستور)،  لحقهم في التقدم باقتراح القوانين (الفقرة الأولى من الفصل 78 من الدستور)، ومنها القانون المحال؛  

ثامنا - في شأن الطلب المتعلق بتغيير الشكل الخارجي للقانون المحال، "بمقتضى مرسوم": 

حيث تطلب الجهة المحيلة تغيير الشكل الخارجي للقانون المحال "بمقتضى مرسوم"؛ 

لكن،

 حيث إن المراقبة الممارسة، طبقا للفصل 132 من الدستور، لا تحد عمل المحكمة الدستورية في التصريح بمدى اندراج مقتضى معروض عليها في مجال القانون أو في مجال التنظيم؛ 

وحيث إن الدستور، خول للحكومة، بمقتضى أحكام الفقرة الأولى من الفصل 79 منه، صون نطاق مجالها التنظيمي من تجاوز مجال القانون، خلال المسطرة التشريعية، بأن " تدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل لا يدخل في مجال القانون"؛ 

وحيث إن تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم، مسطرة مستقلة عن البت في مراقبة مطابقة القوانين للدستور، سواء من حيث جهة الإحالة المعنية بها، أي الحكومة، أو الإجراءات المقررة فيها بمقتضى أحكام المادة 29 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية؛ 

وحيث إنه، تبعا لذلك، لا محل للنظر في طلب تغيير الشكل الخارجي للقانون المحال؛ 

تاسعا - في شأن الطلب المتعلق ب"توقيف الإجراءات التشريعية للقراءة الأولى لمجلس النواب المتعلقة بمقترح القانون بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس المستشارين": 

حيث تطلب الجهة المحيلة "توقيف الإجراءات التشريعية للقراءة الأولى لمجلس النواب المتعلقة بمقترح القانون بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس المستشارين"، بعلة "اتحاده في المضمون" مع القانون المحال؛ 

 لكن،

حيث إن الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور تنص على أنه "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور"، مما تكون معه هذه الأخيرة، غير مختصة للنظر في مقترح قانون، لم يستكمل بعد مسطرته التشريعية؛ 

وحيث إن باقي مقتضيات القانون المعروض، لا تتضمن ما يستوجب الإثارة التلقائية من قبل هذه المحكمة، مما تكون معه كافة الدفوع المثارة للطعن في دستورية القانون المحال غير مرتكزة على أساس؛

لهذه الأسباب:

أولا- تصرح:

1- بأن القانون بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب، ليس فيه ما يخالف الدستور؛ 

2- بأن لا محل للنظر في طلب تغيير الشكل الخارجي للقانون المحال؛ 

3- بعدم الاختصاص بالنظر في الطلب المتعلق ب"توقيف الإجراءات التشريعية للقراءة الأولى لمجلس النواب المتعلقة بمقترح القانون بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس المستشارين"؛

ثانيا- ترفع قرارها هذا إلى علم جلالة الملك، وتأمر بتبليغ نسخة منه إلى السيد رئيس الحكومة وإلى السيد رئيس مجلس النواب وإلى السيد رئيس مجلس المستشارين وبنشره في الجريدة الرسمية.

وصدر بمقر المحكمة الدستورية بالرباط في يوم الخميس 27 رجب 1442

                              (11 مارس 2021)

الإمضــاءات

اسعيد إهراي

عبد الأحد الدقاق            الحسن بوقنطار             أحمد السالمي الإدريسي 

ندير المومني             لطيفة الخال             الحسين اعبوشي  

محمد علمي                          خالد برجاوي